فخري أبو خطوة حكاية كل حيفخري أبو خطوة رجل مجنون من الهائمين في الحي . نراه نهاراً . وينام في المقابر ليلاً ... كم عمره ؟ : لا أحد يعرف عمره . فكل من في الحي يقولون أنهم رأوه منذ أن تفتحت أعينهم على الدنيا . حتى العجائز منهم . كان يحب الأطفال . يلعب معنا كواحد منا . كنا نحب أن نشاركه ألعابه التي لا معنى لها . فنحن نسعد
بها . فمثلاً كان يجري قفزاً في الهواء بطول الشارع إلى آخره . يطلق صيحات كالطيور والحيوانات . ونحن نفعل ورائه ذلك سعداء . ملابسه بالية . تستر عورته بالكاد . لا يشعر بحرارة شهر يوليو ولا ببرد الشتاء . فأهل الخير يأتون له بالملابس الجديدة . ولكنه كان يخلعها ليلبس أسماله البالية مرة أخرى . لم نره يأكل أبداً رغم أصناف الطعام التي بين يديه ولا نراه إلا بها . أفعاله غريبة . مرة يقف على شريط القطار ويفتح يديه ويجري نحو القطار . كأنه يريد أن يحتضن القطار وهو قادم . سمعتهم يقولون أنه من أهل الخطوة . عمي محمد أبو ربيع يقول أنه قد رآه يطوف حول الكعبة في الحج . والغريب أنه لم يغب عن الحي ولو
يوم واحد . ويحكى أن أم حسن بائعة الفول رأته قادم نحوها جرياً وهو يرفع عصاه إلى أعلى . وهوى بالعصا نحوها . هي صرخت . لكنها لم تكن المقصودة . فقد أطاح بقدرة الفول المدمس بخبطة واحدة من عصاه . صرخت أم حسن أكثر وأكثر . فهي كانت تتمنى أن تنزل هذه العصا على جسدها النحيل فداءاً لقدرة
الفول . فهي أهم . تقتات عليها هي وزوجها وستة من الأبناء في مراحل التعليم المختلفة . ألتف حولها أهل الحي . وهي تزداد في البكاء والنحيب كلما رأت الفول المنسكب من القدرة على الأرض . فهي لم تبع ولو بقرش واحد هذا الصباح . البعض يحاول تهدئتها والبعض الآخر يحاولون لملمة الفول الواقع على الأرض .
وفجأة تعالت الصيحات . الله أكبر ... الله أكبر .... بركاتك يا شيخ فخري . فقد رأوا ثعباناً ضخماً كان في قدرة الفول . تعالت زغاريد النساء . وفخري يقف يبتسم ابتسامة طفل صغير لا يعرف لنفسه شيئاً . وهجم عليه الرجال مهللين لينالوا منه البركة . أفزعه هذا المشد . أطلق لساقيه الريح باتجاه المقابر . لم يستطع الرجال دخول المقابر من ورائه لينالوا البركة منه . لأنهم يقولون أنه متزوج من ( جنية ) رآها أبو مسعود عند المقبرة وهي تلعب مع فخري . كان ذلك منذ سنوات . منذ ذلك الحين أبيض شعر أبو مسعود وعيناه . فهو يقول أنها عندما رأته يشاهدهما نفخت ناحيته شيئاً كخيوط العنكبوت . كان هذا آخر ما رأت عينا أبو مسعود من الدنيا . وكلما قص هذه الحكاية أصابته رجفة تنتقل إلى كل من يسمعها . وهناك خالتي أم محمد كريمة تحكي أنها رأت فخري جالساً مع الجنية على باب المقبرة والجنية ترضع طفلاً ويلعب حولهما ثلاثة أطفال . ومنذ تلك اللحظة وأم محمد قعيدة . مصابة بشلل رباعي هكذا قال الأطباء . وعندما سألوها عن السبب قالت أن الجنية عندما ألتفتت إليها رمتها بحصاة صغيرة . لم تدري بالدنيا من بعدها إلا وهي على هذا الحال . كانت حكايات فخري أبو خطوة تشق عنان السماء . الكل يعطيه الطعام والملابس والمال . هم يعرفون أن هذه
الأشياء لا تشكل له شيئاً . لكنهم يجزلون له العطاء ثمناً لطلب البركة منه . ولم لا وهو من أهل الخطوة ومكشوف عنه الحجاب . وفي صباح لن يمحى من ذاكرتي أبداً . شاع خبر وفاة فخري أبو خطوة . وجدوه مقتولاً في المقبرة التي يعيش فيها . الكل هرول . الأطفال قبل الرجال . وأنا لا أملك الشجاعة للذهاب إلى هناك . فهم حفنة مجانين . ألا يخشون زوجته الجنية ؟ ستقطعهم أرباً . حتى وجدت ابن عمي الأكبر يهرول هو الآخر . ناديت عليه قائلاً : يا مصطفى أنا عايز أروح عند فخري وخايف من الجنية وأولادها العفاريت . ضحك مصطفى ولفحني على كتفه دون أن يتوقف وقال : تعالى يا أمين فالجنيات لا تظهر في النهار . وصلنا إلى هناك . قوات من الشرطة تحاصر المكان . عيناي زائغتان . أبحث عن جسد فخري وأترقب ظهور الجنية . آه أخيراً رأيت جسده مسجى على الأرض ومغطى بالقماش . جنود الشرطة تنزل إلى المقبرة ويصعدون ومعهم صناديق كبيرة . أمر الضابط بفتح الصناديق . أبن عمي يصف لي ما يحدث كأنه يصف مباراة كرة قدم : وجدوا صندوق مليء بالآثار الفرعونية . وصندوق به مخدرات . وقلت له : أنا أعرف
هذه . إنها بندقية . قال مصطفى نعم أنها بندقية كلاشينكوف وهذا مسدس عيار 9 ملي . يا خبر أبيض .... هذا الصندوق به قنابل ( ميلز 12 ) . فقال له أحد الواقفين : لقد وجدوه يمسك بيده صرة كلها مشغولات ذهبية وماسات . كل هذاوأنا أتابع بذهول . أخرج أحد الجنود راديو كبير الحجم من أحد الصناديق .قلت لمصطفى : ده راديو ... فخري كان بيسمع الراديو ... هنا ضحك مصطفى قائلاً : لا يا أمين هذا جهاز لاسلكي . فأنا أعرفه منذ كنت مجند بالجيش . على مايبدو يا أمين أن فخري هذا حكايته حكاية كبيرة . هيا بنا لنعود قبل أن تتطور الأمور . وعاد بي مصطفى إلى المنزل عنوة . ومن ساعتها أحلم بأن أكون فخري
وتكون عندي كل هذه الأشياء . ومات فخري وسره معه والكل لا يعرف كيف وصل لهذه الصناديق أو ما هي صلته بهذه الأشياء
بقلمى
أيمن عبد القوي الأعلامي